نقاش حزبي ساخن في المغرب، بعد مصادقة الحكومة على “مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وعرضه على مجلس النواب، قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة هذا العام.
فعبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي (قائد الائتلاف الحكومي)، ربط بقاءه في الحزب، بطبيعة تصويت كتلتي “العدالة والتنمية” بغرفتي البرلمان على مشروع تقنين استخدام مخدر “القنب الهندي”.
لم يقدم بنكيران، أي تفسير إضافي لهذا الموقف الذي اتخذه في الأول من مارس/ آذار الماضي.
فبعد سلسلة من التأجيلات، صادقت الحكومة على مشروع القانون وأحالته على مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) لمباشرة إجراءات إقراره، والذي لم يُحدَد بعد موعدا للتصويت عليه.
قبل ذلك “جرت مياه كثيرة تحت جسر” الحزب، إذ كان لموقف بنكيران صدى كبير وسط هيئاته، ليس أقلها تعبير المجلس الوطني (برلمان الحزب) عن تحفظه على مشروع القانون، وطالب بفتح نقاش عام وتوسيع الاستشارة المؤسساتية.
والقنب الهندي، نبات ذو تأثيرات مخدرة، ينتشر في عدد من البلدان بعدة أسماء مختلفة منها: الحشيش، والبانجو، والزطله، والكيف، والشاراس، والجنزفورى، والغانجا، والحقبك، والتكرورى، والبهانك، والدوامسك..
وتصنف تقارير سنوية للأمم المتحدة، المغرب كأكبر منتج للقنب الهندي في العالم، متبوعا بأفغانستان ولبنان، حيث تنتشر زراعته بمنطقة الريف (شمال)، التي شهدت حراك شعبي في 2016.
** “مخدر لا غبار عليه”
لعل السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المتابعين وهم يتابعون تسلسل مواقف بنكيران من عدد من الملفات الرائجة في الساحة السياسية هو: هل يشكل مشروع قانون الكيف المرتقب إقراره الشعرة التي ستَقسم ظهر حزب العدالة والتنمية؟
إذا كان البعض يعتقد بأن ذلك ممكن بالنظر لتراكم “الاختلافات”، فإن عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة للحزب (أعلى هيئة تنفيذية داخل الحزب)، يرى بأن مخرجات المجلس الوطني، الذي عقد في 20 و21 مارس، حسمت كل شيء.
وأضاف أفتاتي، في حديث مع الأناضول، “معظم الخلاصات الأساسية تؤكد على أنه من غير الملائم برمجة مثل هذا المشروع في نهاية الولاية الحكومية (2021)، والتي يتعذر معها إنتاج شيء مفيد للمجتمع”.
وفي الوقت الذي يُصور فيه الحزب بأنه يرفض إقرار هذا المشروع، يبدو أن جوهر الخلاف بالنسبة لأعضائه، حاليا، هو السياق والزمان اللذان حاولت الحكومة إقرار مشروع القانون فيهما.
ويرى أفتاتي، بأن هذا الأمر يمكن التعاطي معه داخل كتلتي الحزب في البرلمان، من خلال المطالبة بإرجاء النظر فيه حتى تتوفر الشروط السانحة لذلك.
وأكد أن كتلتي حزب العدالة والتنمية في مجلسي النواب والمستشارين، سيصوتان بالرفض في حالة المُضي في طريق إقرار القانون بالصيغة المقترحة.
وأبرز القيادي في العدالة والتنمية، أن موقفه يستحضر الموقف المجتمعي المبني على اجتهاد فقهي وعلمي يُحرّم استعمال المادة في التدخين باعتبارها مخدر لا غبار عليه.
وأردف أنه يستحضر أيضا “المواقف الرافضة للأنشطة الممنوعة المرتبطة بتجارة الحشيش، ورأي المجتمع الواسع الذي يهمه إنقاذ صغار المزارعين في مناطق الزراعة المعروفة من براثن الاستغلال”.
ويرى أفتاتي، أن “العدالة والتنمية”، لن يتأثر بتمرير مشروع القانون، استنادا للموقف الذي عبّر عنه المجلس الوطني للحزب، وهو ما يعني عدم وجود مصوغ للأمين العام السابق لترك الحزب، وبالتالي تجنب التصدع والانقسام المفضي للطلاق.
** استغلال سياسي
قال شريف أدرداك، رئيس جمعية أمازيغ صنهاجة الريف (غير حكومية)، للأناضول إن” القنب الهندي يستعمل كورقة ضغط شمالي البلاد، كلما حلت المحطات الانتخابية”.
ويقدم أدرداك، مثالا على ذلك، أنه بين 2013 و 2016 استخدم حزبا “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” (معارضان) هذه الورقة وذلك من خلال تقديم مقترحي قانونين يرومان تقنين زراعة القنب الهندي من أجل الإنتاج الصناعي والطبي، وكذا مقترحي قانونين للعفو عن المتابَعين بتهم مرتبطة بهذه الزراعة.
ولفت إلى أن “المقترح الأول كان موجّها للمزارعين البسطاء حتى يظهر الحزبان بمظهر المدافعين عن المزارعين، وظل حزب العدالة والتنمية، يرفع شارة الرفض انطلاقا من قناعاته الإيديولوجية، وكذا خوفا من استغلال التقنين من طرف الحزبين”.
رغم ذلك يرى الناشط الحقوقي، أن الوضع يختلف حاليا، لأن مشروع التقنين المحال على البرلمان تقدمت به وزارة الداخلية التي يترأسها وزير تكنوقراطي، عوض تقديمه من طرف وزارة الفلاحة أو الصحة أو الصناعة.
وأضاف أن وزارة الداخلية منعت تجمعات حزبية كانت تسعى لمناقشة مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، حتى لا يتم استغلاله سياسيا.
** لا يمكن المراهنة عليه
من جانبه، قال نور الدين مضيان، رئيس كتلة حزب الاستقلال، بمجلس النواب، للأناضول، إن الحديث عن الاستغلال السياسي لهذه القضية، “قول لا يستقيم”.
وأضاف “إنما كانت هناك أعمال محسوبة على بعض مؤيدي أحزاب سياسية، استهدف منها في الغالب حزب الاستقلال، بالنظر إلى حضوره التاريخي في شمال البلاد”.
ويرى مضيان، أن الاصطفاف إلى جانب مشروع القانون بالنسبة إلى حزبه، الذي يمتلك قاعدة انتخابية ثابتة، “شجاعة ومغامرة”.
وحتى بعد التحفظ الذي يبديه حزب العدالة والتنمية، رغم أن وزراءه صادقوا على مشروع قانون التقنين، يجزم مضيان، أنه “لا أحد اليوم يمكنه أن يراهن أن القنب الهندي يمكن أن يُستغل لجهة مدافعة أو رافضة للتقنين”.
وقال “الواقع الذي يحظى بالإجماع؛ هو ضرورة التقنين”.
ومرد هذه القناعة، بحسب مضيان، أن “الوضعية الحالية التي يعيشها مزارعو المنطقة بحاجة لحل وتحريرهم من الخوف والرعب”.
وتابع: المزارعون يوجدون في حالة سراح مؤقت بالنظر للمتابعات (القضائية) التي تلاحقهم، بسبب هذه الزراعة غير القانونية، الأمر الذي لا يمكن لأي حزب القبول به.
ويوجد نحو 40 ألف شخص مبحوث عنهم في قضايا متعلقة بتهريب أو استهلاك وزراعة ونقل القنب الهندي، بحسب وسائل إعلام.
واعتبر رئيس الكتلة النيابية لـ”الاستقلال”، أن تحويل القنب الهندي “من زراعة ممنوعة إلى مباحة للأغراض الصناعية والطبية، الوضع السليم، الذي سيمكن المزارع من بيع محصوله بثمن مناسب بدل عمله كخماس (عامل بسيط) لدى المصدرين”.
ودعا إلى التعامل بالحزم اللازم مع أي استغلال لهذه الزراعة في أي نشاط غير مشروع، بعد عملية التقنين.
وحسب الدستور، يُحال أي مشروع قانون عقب تصديق الحكومة عليه إلى غرفتي البرلمان للتصويت عليه، وفي حال المصادقة، ينشر في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ.
ووفق المذكرة التقديمية لمشروع القانون، يطمح المغرب إلى “تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين، وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وجلب الاستثمارات العالمية؛ بهدف الاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة”.
وينص مشروع القانون على “إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص”.
ومنذ فترة، يشهد موضوع تقنين الاستعمالات المشروعة لـ”القنب الهندي” جدلا في المغرب بين مؤيد ورافض، ولا يزال يثير الجدل بمنصات التواصل الاجتماعي.
ويحذر الرافضون من تأثير التقنين على ارتفاع مساحات زراعة المخدرات وتفاقم ظاهرة الاتجار فيها بعموم البلاد، بينما يدعو المؤيدون إلى تقنين زراعة “القنب الهندي” على غرار الزراعات الأخرى.
وفي الوقت الحالي فإن القانون المغربي يحظر “القنب الهندي” بشكل عام، ويعاقب بالسجن كل من يزرعه أو يستخدمه أو يتجار فيه.
المصدر: الأناضول (عبد المجيد أمياي)
تعليقات الزوار ( 0 )