عندما اعتقل الصبي السوري بشير أبازيد قبل عقد لكتابته شعارات مناهضة للحكومة على جدران مدرسته، لم يكن يتخيل أبدا أن انتفاضة ستندلع وستفضي إلى تدمير بلاده، والآن فهو يتأسى على الثمن الإنساني الفادح.

وقال أبازيد، الذي بلغ الآن الخامسة والعشرين من عمره، عبر الهاتف من تركيا التي يعيش فيها بعيدا عن مدينته درعا الواقعة في جنوب غرب سوريا “هاي الأحداث كسرت فينا أشياء كثيرة.. سلبت منا طفولتنا، سلبت منا الفرحة وسلبت منا السعادة. هذه الأحداث كبرتنا قبل أواننا”.

وأصبحت درعا مهدا للانتفاضة وما أعقبها من تمرد مسلح ضد الرئيس بشار الأسد بعد أن جرى اعتقال أكثر من عشرين فتى من بينهم أبازيد وتعذيبهم على يد الشرطة السرية بسبب كتابة شعارات ضد الرئيس.

وكان التحدي الذي أبداه الصبية شبيها بأحداث أطلقت شرارة انتفاضات بدول أخرى منها تونس ومصر، كما كشف التعامل الوحشي معهم أثناء الاعتقال إلى ظهور استياء قديم كان يغلي تحت السطح.

وتطور الأمر لاحتجاجات في الشوارع قوبلت من قوات الأمن المدججة بالسلاح بإطلاق النار. وانتشرت الاشتباكات على مستوى البلاد وتفاقمت إلى حرب أهلية دمرت أغلب سوريا قبل أن يُخمد الأسد المعارضة المسلحة بمساعدة من روسيا وإيران.

ويتذكر أبازيد، وهو واحد من بين أكثر من مليوني سوري فروا من الحرب إلى تركيا المجاورة، كيف أجبره أحد أفراد قوات الأمن السورية على الاعتراف تحت الضغط والإكراه بأنه نقش شعارا يقول “أجاك الدور يا دكتور” في إشارة للأسد.

وأطلقت السلطات سراح أبازيد بعد أيام، إذ خففت الجولة الأولى من المظاهرات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية من القبضة الحديدية للسلطات وبدأت قوات الأمن تلجأ لقتل المحتجين السلميين.

وبعد سنوات من إراقة الدماء والفوضى، تمكن أبازيد وأسرته في النهاية من مغادرة درعا في مايو أيار 2017 واتجهوا إلى تركيا حيث يعمل هو الآن في مجال التشييد. وظلت درعا لسنوات معقلا للتمرد والثورة وهي تقع قرب الحدود الجنوبية مع الأردن.

ولا تزال تراوده الكوابيس عن دبابات تعبر في شوارع حي مكتظ بدرعا وأقارب وأصدقاء قتلوا وآخرين حملوا السلاح مما فاقم الأمر إلى حرب أهلية مدمرة.

* ملايين يخشون العودة

أبازيد والعديد من سكان مدينته أصبحوا من بين ملايين اللاجئين الذين أسسوا لحياة جديدة في دول مجاورة وأبعد من ذلك في أوروبا دون أي نية في العودة في أي وقت قريب.

يخشى الكثيرون من تجنيدهم في الجيش أو اعتقالهم ويعلمون أن بلداتهم وقراهم التي كانت مفعمة بمشاعر مناهضة لحكم الأسد تعرضت للسلب والدمار.

ولم يبق سوى عدد يحصى على أصابع اليد من السكان الأصليين لحي أبازيد الأصلي وهو حي الأربعين في درعا، والشوارع أغلبها أصبحت مهجورة.

وقال البعض لرويترز عبر رسائل صوتية على الإنترنت إن السخط تنامى مجددا منذ أن استعادت قوات الأسد بدعم من قوة جوية روسية السيطرة على المدينة من يد المعارضة المسلحة في 2019.

وأشاروا إلى أن الشرطة استأنفت قمعها وسط دمار اقتصادي، بينما أعادت السلطات تماثيل وصورا ضخمة للأسد ووالده الراحل في الأماكن العامة التي كانت قد دُمرت ومُزقت في الأيام الأولى للانتفاضة.

وقال أبازيد بمرارة “ما تغير شي من الأيام اللي هتفنا بالحرية. طالبنا بحقنا لكن النظام المجرم لم يتعلم شي وازداد وحشية ودموية ومتمسك بالسلطة”.

وروى أحد سكان درعا لرويترز أن العشرات أحيوا يوم الخميس الذكرى العاشرة للانتفاضة في بادرة لإظهار استمرار التحدي للنظام من خلال هتافهم بشعارات مناهضة للحكومة في شوارع الحي القديم من المدينة بعيدا عن أنظار قوات الأمن.

ويبدو أن الأسد أصبح في وضع آمن مجددا بعد أن ظل باقيا في الحكم رغم المعارضة المسلحة التي شكلت في وقت من الأوقات أكثر التهديدات خطورة على حكم أسرته منذ أن خلف والده حافظ الأسد في الحكم قبل 20 عاما.

وقال أبازيد “حتى لو بشار سيطر.. الثورة لن تنتهي و بشار ما راح يحلم يحكم سوريا مثل أول”.

وتابع قائلا في تلميح للقوى الغربية التي لم تتدخل ضد الأسد خلال الصراع “الثورة انظلمت… فقط هو الخذلان من الدول التي تدعي حقوق الإنسان وتركتنا لمصيرنا”.

المصدر: رويترز