حالة من “الجمود” تعيشها الأحزاب اليسارية المغربية منذ سنوات جعلت مستقبلها على المحك، وذلك في ضوء تمثيليتها في البرلمان والحكومة.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، شكل اليسار قوة سياسية وازنة في البلاد، قادت المعارضة لعقود ثم حكومة التناوب سنة 1998.
وقاد عبد الرحمن اليوسفي حزب “الاتحاد الاشتراكي”، وشارك في انتخابات عام 1997 حيث تصدر الحزب الانتخابات.
وقاد اليوسفي الحكومة التي سميت بـ”حكومة التناوب” (أحزاب المعارضة تقود الحكومة في إطار التناوب الديمقارطي) في مارس/آذار 1998.
غير أن العقد الأخير، عرف أفول نجم الأحزاب اليسارية كرسه تجرعها هزائم تلو الأخرى في الانتخابات.
ويوجد عدد من الأحزاب اليسار بالمغرب، أبرزها حزب الاتحاد الاشتراكي (مشارك بالحكومة)، وحزب التقدم والاشتراكية (معارض) وفدرالية اليسار الديمقراطي (معارضة) هي تحالف 3 أحزاب هي: الاشتراكي الموحد والطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي، وأحزاب يسارية أخرى غير ممثلة في البرلمان.
** نقطة التحول
بعد عقود من الاصطفاف في المعارضة، كانت نقطة التحول في مسار اليسار المغربي قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحكومة خلال الفترة بين 1998 و2002.
وتأسس حزب “الاتحاد الاشتراكي” عام 1959، وظل في المعارضة، وتعرّض بعض أعضائه للاعتقال والقمع خلال ما عُرفت بسنوات “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” في المغرب، قبل أن يقود الحكومة بزعامة عبد الرحمن اليوسفي، عقب تغيير الدستور، عام 1996.
وقاد اليوسفي الحزب وشارك في الانتخابات البرلمانية، عام 1997، حيث تصدر الانتخابات، ثم قاد الحكومة بين 1998 و2002.
وفي 2002 احتل الحزب المرتبة الأولى في الانتخابات، لكن العاهل المغربي محمد السادس عين وزير الداخلية السابق، إدريس جطو، غير المنتمي لأي حزب، على رأس الحكومة، فاعتبر اليوسفي أن المغرب حاد “عن المنهجية الديمقراطية”، واعتزل العمل السياسي.
رغم ذلك، شارك “الاتحاد الاشتراكي” في حكومة إدريس جطو. كما شارك في حكومة عباس الفاسي (قائد حزب الاستقلال) التي جاءت بعدها، قبل أن يصطف في المعارضة خلال حكومة عبد الإله بن كيران (2012-2016). ويعود إلى المشاركة في الائتلاف الحكومي الحالي، بوزير واحد (محمد بعبد القادر وزير العدل).
واليوسفي أحد السياسيين اليساريين البارزين الذين قادوا الاتحاد الاشتراكي وتوفي في مايو/أيار 2020 عن 96 عاما.
** أرقام التراجع
ومنذ 2007، أخذ الاتحاد الاشتراكي كبرى الأحزاب اليسارية في التراجع عندما انتقل عدد مقاعده من 50 في 2002 إلى 38 مقعدا.
واستمر التراجع عندما نال الحزب 20 مقعدا فقط من أصل 395 في انتخابات 2016، بتراجع 19 مقعدا عن انتخابات 2011.
وفضلا عن الاتحاد الاشتراكي الذي يشكل اليوم القوة السابعة في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، يمثل اليسار أيضا كل من حزب التقدم والاشتراكية ب12 مقعدا (تراجع عن 2011 ب6 مقاعد)، وفدرالية اليسار الديمقراطي بمقعدين.
وفي 2019 غادر “التقدم والاشتراكية” الحكومة والتحق بصفوف المعارضة بعد أن شارك في حكومة بنكيران (الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية) والسنوات الأولى لحكومة سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية (والأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي).
أكتوبر 2019 قرر حزب التقدم والاشتراكية المغربي مغادرة الحكومة ، بسبب ما أسماه “الصراع بين مكوناتها”، حسب بيان للحزب.
وقال بيان للمكتب السياسي (أعلى هيئة تنفيذية في الحزب)، إن “قرار عدم الاستمرار في الحكومة الحالية، بسبب استمرار الصراع بين مكونات الأغلبية الحكومية”.
ولفت أن”الوضع غير السوي للأغلبية الحالية مرشح لمزيد من التفاقم في أفق سنة 2021 كسنة انتخابية (سنة تنظيم انتخابات برلمانية)، مما سيحول دون أن تتمكن الحكومة من الاضطلاع بالمهام التي تنتظرها”.
** التراجع وقيادة الحكومة
اعتبر محمد مصباح مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات (غير حكومي)، أن “الأحزاب اليسارية بالمغرب عرفت تراجعا واضحا خلال الفترة بين 2002 و2007، واستمر منحى التراجع”.
وأضاف مصباح للأناضول، أن “التراجع بدأ مع قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحكومة”.
وأوضح أن “التراجع يرتبط أساسا بعنصرين اثنين: أولهما القابلية للانقسام، حيث أن الأحزاب اليسارية بالمغرب ظاهرة انقسامية وتميل نحو التشتت؛ وثانيهما عدم تطور خطاب اليسار مع تطور المجتمع، إذ مازال يحافظ على خطاباته الكلاسيكية”.
ولفت أن “كل محاولات تجميع اليسار باءت بالفشل، رغم يقين الأحزاب اليسارية أن عدد الأصوات التي تحصل عليها مجتمعة تقترب أو تساوي ما يحصل عليه العدالة والتنمية (إسلامي/ قائد الائتلاف الحكومي منذ 2012)”.
وشدد على أن “أي محاولة للم شمل اليسار في المستقبل يكون مآلها الفشل، ولا أدل على ذلك مما حصل لفدرالية اليسار الديمقراطي التي لم تستطع أن تصمد دون مشاكل رغم أنها تحالف لثلاثة أحزاب يسارية فقط”.
وتابع: “اليسار لا يعيش مرحلة الموت السريري بل مرحلة نهاية فكرة اليسار، وهو ما يشكل خلخلة للتوازن السياسي في المغرب”.
وأردف: “في السابق كانت لدينا أحزاب يسارية قوية مقابل أحزاب إسلامية ثم أحزاب الإدارة، لكن اليوم لم يعد في الساحة سوى الإسلاميين وأحزاب الإدارة وأحزاب يسارية ضعيفة”.
** أزمة فكرة ومشروع
وقال عباس بوغالم أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الأول (حكومية) بوجدة (شرق)، إن “الحديث عن وضعية اليسار بالمغرب على وجه الإجمال يطرح في حد ذاته صعوبات موضوعية ومنهجية، لذلك ونحن نتحدث ينبغي استحضار بعض التباينات والاختلافات التي تميز بعض مكونات الكتلة اليسارية، رغم أن القواسم المشتركة بينها غالبة”.
وأضاف بوغالم للأناضول، “تتمثل القواسم المشتركة أساسا في معاناة هذه الأحزاب من أعطاب بنيوية عميقة، تجعل الحديث عن الأحزاب اليسارية مقترنا بسمة الأزمة، وأصبحنا أمام متن خطابي تحليلي لأزمة اليسار المغربي وليس لليسار المغربي”.
وأوضح أن “أزمة اليسار مركبة، ترتبط بالجوهر والمضمون وليس بالأعراض، أي أن أزمة اليسار المغربي في اعتقادي أزمة فكرة وأزمة مشروع اليسار في حد ذاته”.
وبخصوص مستقبل أحزاب اليسار في ضوء انتخابات 2021، قال الأكاديمي المغربي، إن “حضور أحزاب اليسار سيظل محدودا في إطار المشهد السياسي والانتخابي”.
كما أن حجم تمثيليته في المؤسسة البرلمانية، يضيف بوغالم، “سيظل بالطبع محدودا في ظل واقع التشظي والانقسام للعائلة اليسارية وحالة الصراع الداخلي بين مختلف مكوناته، حيث بلغت مكونات اليسارية تسعة أحزاب سياسية في مرحلة من مراحل تطوره”.
وخلص: “أعتقد أن التيار السياسي اليساري في عمومه فاقد لأي تأثير سياسي وإيديولوجي، بل أصبح خارج دائرة الصراع حول السلطة، وهو ما يعكسه التراجع اللافت للحضور الانتخابي لمجموع الأحزاب اليسارية في انتخابات 2016 والتي لم تتجاوز 34 مقعدا، حصيلة أربع أحزاب يسارية إضافة إلى فدرالية اليسار الديمقراطي “.
المصدر: الأناضول (محمد بندريس)
تعليقات الزوار ( 0 )