قال إحسان عادل، الخبير والباحث في القانون الدولي، إن إعلان المحكمة الجنائية الدولية سعيها لإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين “يمثل منعطفاً في تاريخ الاحتلال وإفلاته من العقاب على مدى عقود ماضية”.

جاء ذلك خلال مقابلة أجرتها الأناضول مع عادل، المقيم بالسويد، وهو رئيس منظمة “القانون من أجل فلسطين” التي تأسست عام 2020 ومرخصة في العاصمتين البريطانية لندن والسويدية ستوكهولم.

والاثنين، أعلن المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، في بيان، أنه يسعى لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت وثلاثة من قيادات حركة حماس، بتهم ارتكاب “جرائم حرب”.

وتضمنت الجرائم ضد نتنياهو وغالانت “تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب والتسبب عمدًا في معاناة شديدة أو إلحاق أضرار جسيمة بالجسم أو الصحة، والقتل العمد، وتوجيه الهجمات عمدًا ضد السكان المدنيين باعتبارها جريمة حرب، والإبادة و/أو القتل”.

آلية التعامل مع القرار

عادل تطرق إلى المراحل التي يحتاجها طلب مدعي عام “الجنائية الدولية” حتى يدخل حيز التنفيذ؛ وقال إن الطلب قُدّم إلى الدائرة التمهيدية بالمحكمة المكونة من 3 قضاة.

وأضاف: “لا يوجد مدة محددة يجب أن تصدر فيه المحكمة والدائرة التمهيدية الإذن (لإصدار مذكرة التوقيف)، ولكن عادة هي مدة قصيرة قياساً على التجارب السابقة، كانت تأخذ أياماً وأسابيع وبحد أعلى شهرين”.

وتابع: “نتوقع أن تأذن الدائرة التمهيدية بإصدار هذه المذكرات خلال أيام أو أسابيع على الأكثر”.

وحول احتمالية أن يعارض قضاة المحكمة الطلب، قال عادل: “أستبعد جداً”، مبينا أن ما سيصدر عن المحكمة قد يكون مختلفا عن طلبات خان، “بمعنى أن المحكمة قد لا توافق عليها (الطلبات) كلها، أو على كل الأشخاص والجرائم التي وجهت لهم”.

وأردف موضحا: “يمكن للمحكمة أن توافق على جزء أو ترفض جزءا، هذا وارد، ولكن لا أتوقع أن المحكمة سترفض كل طلبات كريم خان”.

وتابع: “لو افترضنا أن المحكمة أو الدائرة التمهيدية رفضت هذه الطلبات، فهذا لا يعني نهاية الإجراء، أي بمعنى أنه يمكن عندها للمدعي العام أن يُعيد الطلب مرة أخرى مع مراعاة النقص الذي أشارت المحكمة إلى وجوده (..) وهذا حصل سابقا”.

وأضاف: “بمجرد أن تعطي الدائرة التمهيدية بالمحكمة الإذن بإصدار مذكرات الاعتقال، هذا يعني أنها سوف تصبح ملزمة؛ أي أن 124 دولة الأطراف بالمحكمة سيكون عليها تسليم هؤلاء الأشخاص في حال وصلوا أراضيها”.

وأكمل مبينا: “لن تذهب دولة (من الأعضاء بالمحكمة) إلى اعتقالهم في أماكن تواجدهم، ولكن في حال وصل أي منهم إلى أراض الدول الأعضاء، عندها ستكون مجبرة على تسليمهم”.

ولفت إلى أن “أي دولة تقوم بإمداد إسرائيل بالسلاح مثلا، فإنه يمكن أن يصبح مسؤولوها مساعدين لارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية”.

عدم عضوية إسرائيل بالمحكمة

وبشأن عدم عضوية إسرائيل بالمحكمة الجنائية الدولية وإلزامية تطبيق طلبات المدعي العام، أكد الخبير القانوني أن ذلك لن يؤثر “على الإطلاق”.

وبهذا الخصوص أشار إلى أن “نظام روما الأساسي المنظم لعمل المحكمة الجنائية الدولية يقول بشكل واضح إن اختصاصها يكون على الدول الأعضاء سواء على (الأشخاص) الذين يحملون جنسياتها أو على جريمة تقترف على أراضيها”.

ومضى شارحا: “فلسطين طرف بالميثاق، فالأشخاص الفلسطينيون والجرائم التي ترتكب على الأراضي الفلسطينية، بغض النظر عن جنسية مرتكبيها تكون خاضعة للمحكمة الجنائية الدولية”.

واستطرد: “وبالتالي فإن الجرائم التي ارتكبت وترتكب في قطاع غزة والضفة الغربية تخضع لاختصاص المحكمة، وهذه مسألة حاولت إسرائيل وداعميها أن ترفعها ككرت أحمر (محاولة لإلغاء اختصاص المحكمة) أمام المحكمة الجنائية الدولية”.

وأكمل بذات الصدد: “ولكن عام 2021 انتهينا من هذه الحجة من خلال قرار واضح صدر عن الدائرة التمهيدية، حين قالت إن المحكمة مختصة بكل الجرائم التي ترتكب على الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء الضفة الغربية أو قطاع غزة أو القدس الشرقية”.

ولفت إلى أن “هذه ليست أول حالة، فمثلا المحكمة أصدرت مذكرات اعتقال بحق (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، وموسكو ليست طرفا بالمحكمة، ولكن الجرائم ارتكبت في أوكرانيا وهي أعطت ضوءاً أخضراً بصلاحية التحقيق في الجرائم التي تركب فيها، وبناءً على ذلك أصدرت مذكرة اعتقال ولم يعترض أحد”.

واعتبر الخبير القانوني أن “الاعتراض (على استصدار المذكرة) بحالة إسرائيل هو نفاق ومعايير مزدوجة، وليس منطقياً وليس له أي أساس من القانون ولا الممارسة”.

وإسرائيل ليست عضو في المحكمة الجنائية الدولية، لكن انطباق ولاية المحكمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، حتى وإن كانت إسرائيل ترفض وجود هذه الولاية، يجعل المحكمة قادرة على محاكمة مسؤولين ارتكبوا جرائم في الأراضي الفلسطينية.

أما إن كانت عدم عضوية تل أبيب بالمحكمة مبرراً للدول المتعاطفة مع إسرائيل من تنفيذ طلبات المدعي، قال عادل: “لا بالطبع، لا يمكن أن يكون كذلك لسببين، السبب الأول من القانون، والآخر من الواقع والممارسة”.

وأوضح: “من القانون، ميثاق روما واضح وهناك مادة موجودة لا تحتاج إلى اجتهاد في موضع النص، ووافقت عليها كل الدول، والتي تقول إن اختصاص المحكمة ينعقد في حال أن هناك دولة طرف، سواء كان هؤلاء الأشخاص الذين اقترفوا الجرائم يحملون جنسيتها أم لا”.

وزاد: “المدعي العام قال إن المسؤولين في حماس مسؤولون عن جرائم 7 أكتوبر (الهجوم على المستوطنات في تشرين الأول)، ولذلك أصدر مذكرات اعتقال، وهذه الجرائم ارتكبت بإسرائيل وهي ليست طرفاً في ميثاق روما، فعلى أي أساس يتم محاكمة هذه الجرائم وهي ارتكبت في إسرائيل؟”.

“على نفس المنوال، كل جريمة ترتكب على أراض دولة طرف بغض النظر عن جنسيتها، هذه الجريمة تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية”، وفق عادل.

وفيما يتعلق بالسبب الثاني، فهو “سياق الممارسة؛ إذ أنه عندما صدرت مذكرة اعتقال بحق بوتين، كل الدول الغربية والدول الأطراف بالمحكمة الجنائية الدولية رحّبت ودعت إلى تنفيذه، وروسيا ليست طرفا بالمحكمة”.

وتساءل: “كيف يمكن أن توافق على جرائم ارتكبت بأوكرانيا فيما لا توافق على الاتهامات بحق مسؤولين إسرائيليين؟ هذا سيظهر بطريقة مبتذلة ونفاق ومعايير مزدوجة”.

تأثير الطلبات على حرب غزة

وعن احتمالية أن يكون للعامل السياسي أثر على الحالة القانونية، قال عادل: “بلا شك أن السياسة تؤثر، وبطبيعة الحال شاهدنا الردود الأولية على القرار، دول رحبت ودول قالت إن إصدار مذكرة لقيادات حماس وللدولة الديمقراطية إسرائيل هو غير مفهوم وغير مرحب به”.

وتابع: “هناك سيناتور أمريكي دعا إلى فرض عقوبات على المحكمة، وكريم خان كان متوقعا (لتلك الردود)، فخلال البيان الذين أصدره قال نأمل أن أي جهات تقوم بتهديد المحكمة أن تتوقف عن ذلك، وحذر من أن ذلك قد يلق عواقب قانونية بموجب ميثاق روما”.

ورأى عادل أنه “خلال 75 عاما من عمر هذا النظام الاستعماري (إسرائيل)، للأسف كانت سمة الإفلات من العقاب سائدة في المجتمع الدولي.. نتوقع أن تتدخل السياسة”.

وشدد على أن “هذا القرار في حال صدروه فهو قرار جهة قضائية، القضاة فيها مستقلون، انتخبوا على أساس درجة عالية من النزاهة”، مشيراً إلى أنه “لا يوجد فيتو بالمعنى التقليدي كمجلس الأمن يمنع هذه الاعتقالات”.

ويعتقد عادل أن “تأثير قرار المحكمة أكبر من أي تأثير سياسي؛ لأنه يمثل منعطفاً في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي وفي مسألة الإفلات من العقاب التي اتسم بها على مدى العقود الماضية، ويمثل منعطفاً تاريخيا على كل هذه الحالة”.

ومضى: “الدول الغربية تقول إنها (إسرائيل) ملتزمة بالقانون الدولي وتدافع عن نفسها، والآن لدينا جهاز قضائي له الموثوقية على المستوى العالمي يقول إنها ليست دفاعاً عن النفس، وإنما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

وفيما يتعلق بمجريات الحرب على أرض الواقع وأثر طلبات المحكمة عليها، قال عادل: “لا يمكن التكهن بأن يكون هناك أثر مباشر على الحرب في غزة”.

واستدرك مبينا: “ولكن القرار سيؤثر بالصورة العامة بالنسبة للحرب وعلى قادم الأيام فيما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية؛ لأن إصدار المذكرات يعني أن قدرة نتنياهو وغالانت على السفر ستكون محدودة”.

وختم بالقول: “سيكون هناك آثار على الحرب والمشهد بشكل كلي.. سيكون لها تأثير على مشهدية الحرب وعلى النظام الاستعماري”.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول تشن إسرائيل حربا على غزة، خلفت أكثر من 115 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورا، وكذلك رغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.

وزاد إغلاق إسرائيل لمعابر القطاع من معاناة سكانه، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني، أجبرت الحرب حوالي مليونين منهم على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في إمدادات الماء والغذاء والدواء.

المصدر: الأناضول