أوزود – علي محمد
وجد حزب العدالة والتنمية نفسه في مفترق الطرق، بعد قرار الرباط استئناف العلاقات مع إسرائيل، وما زاد الطينة بلة توقيع سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، على الإعلان المشترك مع تل أبيب، مما دفع أعضاء من الحزب بالمطالبة برأس العثماني.
وفي ظل اختيار قياديين في الحزب للمنطقة الرمادية إزاء هذه التطورات وميلهم للصمت حيال هذه التطورات، خرج عبد الإله بنكيران من صمته ليعلن دعمه لخيار الحزب وللعثماني ، معتبرا أن ” الحزب لا يمكن أن يخذل دولته وأنه يصطف وراء الملك محمد السادس في كل القرارات الأخيرة”.
وفي ظل تسارع الأحداث، يجد الحزب المعروف اختصارا ب”البيجيدي” سيناريوهات صعبة أمامه، خصوصا في ظل “الهزات الارتدادية ” للخطوة والتي لا تزال تنذر بمفاجآت لدى الحزب الذي يطمح لولاية حكومية ثالثة، إلا أن رياح السياسة الداخلية والخارجية تجري بما لا تشتهيه سفن الحزب.
الأمر الواقع
تداول أعضاء من الحزب وعدد من المواطنين لصورة العثماني وهو يوقع الإعلان المشترك مع إسرائيل، وهو ما شكل “صدمة ” لدى أعضاء الحزب والمتعاطفين معه.
ولا يزال هذا الحدث يشكل تداعيات داخل الحزب وخارجه، وهو ما يشبه كرة ثلج تكبر كلما تدحرجت، حيث حطت الرحال لدى أعضاء من الحزب الذين طالبوا العثماني والأمانة العامة بالاستقالة، مرروا ببيت بنكيران، الذي خرج من صمته، ولدى المجلس الوطني الذي يعقد دورة استثنائية.
ويرى محللون أن الحزب أمام سيناريوهات متعددة، أولهما التطبيع مع “التطبيع”، أي القبول باستئناف علاقات الرباط مع إسرائيل، رغم الكلفة السياسية الكبيرة وتوقع فقدان عدد من الأصوات في الانتخابات المقبلة.
ثاني السيناريوهات، هو رفض الخطوة والعودة للمؤسسات من أجل رسم معالم مستقبل جديد يمهد الطريق للعودة للمعارضة، هذا النقاش الأخير الذي فتح قياديون قبل أشهر، وتم إغلاقه؟
والسيناريو الثالث، اعتماد تكتيك سياسي، بإظهار رفض الخطوة تنظيميا، وقبوله سياسيا، لينتهج بذلك الحزب لسياسة براغماتية تبقيه في السلطة، لأنه لا يملك “القدرة” على رفض سياسة الدولة، خصوصا أن الخارجية من صلاحيات القصر، ولكن في نفس الوقت يتبنى خطاب لجعل القواعد والمتعاطفين يتفهمون موقفه.
مطالب بالاستقالة
طالب عدد من أعضاء الحزب والمتعاطفين معه العثماني الاستقالة عقب هذه التطورات.
وبرزت أصوات مرحبة بالقرار مقابل أخرى رافضة له، وهو ما جعل الحزب يعود للواجهة والجدل، في ظل سياق داخلي وخارجي متقلب.
وقال ، علي الفاضلي، الباحث والعضو في الحزب إن ” توقيع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لما سمي “إعلان الرباط” هو إساءة للمغرب أولا وإساءة لموقع رئاسة الحكومة ثانيا، فحتى الإمارات والبحرين اللتان بدأتا مسار التطبيع الجديد مع الكيان الصهيوني اكتفتيا بإرسال وزيرا خارجية البلدين للتوقيع على قرارات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بالرغم من حضور الرئيس الأمريكي شخصيا حفل التوقيع وكذلك حضور رئيس الوزراء الصهيوني”.
وأضاف أنه “في السياسة العثماني ارتكب خطأ فادحا وعليه تحمل مسؤوليته بتقديم استقالته والدعوة لمؤتمر استثنائي للحزب، خدمة لمصالح الوطن أولا ومصالح الحزب التي هي خدمة لمصالح الوطن ثانيا.
وقال حسن حمورو رئيس اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية في تدوينة له إنه “بالنسبة لمناضلي العدالة والتنمية… من حقهم التعبير عن رفضهم لتوقيع امينهم العام بصفته رئيسا للحكومة على الاعلان المشترك الذي يمكن ان يكون مرجعا لعملية تجريف وليس تطبيع فقط (حسب موازين القوى الداخلية اساسا) ومن حقهم/واجبهم ان يسارعوا الى إنقاذ حزبهم من نهاية المسار الذي دخله منذ 25 مارس 2017 وليس بتوقيع الامين العام”.
وأضاف أنه “ذا الرفض لا يمكن التعبير عنه عبر الفيسبوك والواتساب فقط، وبالاتهامات المتبادلة او المزايدات الفارغة… قوانين الحزب توفر اليات اقوى للتعبير في اطار احترام الافراد والمؤسسات وفي إطار احترام المشروعية.. ومن هذه الاليات، تجميد عضوية الامين العام (كقرار احترازي) لمخالفته مبادئ الحزب، واحالته على هيأة التحكيم الوطنية، من طرف الأمانة العامة، أو المبادرة الى اعفاء الامين العام من طرف المجلس الوطني، وفق الشكليات المنصوص عليها، أو طلب عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني للتداول في المستجدات، أو للدعوة للمؤتمر الاستثنائي.
وأوضح أنه ” خارج هذه المبادرات، سنكون أمام ردود فعل ناتجة عن صدمة وارتباك ليس الا”.
بنكيران يقلب المعادلة
في أٌقل من 24 ساعة من توقيع العثماني على الإعلام المشترك خرج بنكيران بتصريحات يدعم هذا الأخير.
وفي الوقت الذي رحبت الأمانة العامة للحزب بخرجة بنكيران، انتقد بعض أعضاء الحزب وباحثون بنكيران، معتبرين أن الحزب خرج عن مساره الذي خطه منذ مدة والقائم على رفض التطبيع.
ورفض بنكيران، ، مطالب إقالة العثماني ، معتبرا أن ” أرفض مطالب إقالة العثماني بعد توقيع الإعلان المشترك مع اسرائيل، لأن حزبه حزب مؤسسات الذي يجتمع في أوقات محددة ويتخذ القرارات المناسبة”
وقال إن “العدالة والتنمية لا يمكن أن يخذل بلده بخصوص قراراته الأخيرة حيال الصحراء وإعادة استئناف العلاقات مع اسرائيل”.
وتابع“ من حقنا أن لا يعجبنا الأمر ، ولكن لا يمكننا أن نقول كلام يعني خذلان الدولة في لحظة حرجة”.
وطالب من اعضاء حزبه الصمت حيال هذه التطورات مضيفا أن” لا أحد سيعجبه الحال، ولكن ممكن مثلا مراسلة الحزب أو مؤسساته … ولا يمكن القبول بمطالب إقالة العثماني…هذا ليس الحزب الذي أعرف “.
وأضاف قائلا” …يجب احترام مؤسسات الحزب وممكن انعقاد المجلس الوطني(برلمان الحزب) أو مؤتمر استثنائي ويتم السماع للعثماني ماذا يقول ، ..وآنذاك نتخذ القرار المناسب…”
وقال يونس دافقير الإعلامي المغربي في تدوينة له الفايسبوك إن ” ابن كيران يستغل، بذكاء قل نظيره، كل أزمة لدى البيجيدي، كي يؤسس لصورة زعيم يوجد فوق الحزب، فوق المؤسسات، فوق العثماني وفوق الأمانة العامة. إنه يساعد الحزب على عدم الانفجار، يبادر لإخراجه من حقول الألغام، يفكك حزاما ناسفا حول خصره، لكنه يساعد نفسه أيضا في أن يبقى ما كان عليه في الحزب: رجل الكلمة الحاسمة حين تفيض القواعد على القيادة، ورجل الطموح حين تظهر نافذة ليستعيد ثقة الدولة.”
التحول إلى حزب يميني
كثيرة هي التحليلات التي برزت على سطح هذه التطورات، والتي لا تزال تتكهن بمآلات الحزب، وضرورة تغيير آليات اشتغاله.
قال يونس ايت ياسين الإعلامي المغربي في صفحته على الفايسبوك إن ” أحسن حاجة ممكن يديرها العدالة والتنمية هو التحول إلى حزب يميني محافظ، بأرضية فكرية قومية – قومية ليس بمعنى عرقية ولكن بمعناها القطري، لأن البلد في حاجة إلى حزب يميني قوي في ظل الهشاشة والهزال الذي أصاب كافة الأحزاب”.
وطالب ايت ياسين من الحزب أن يترك الحديث عن المرجعية الإسلامية لأن هذا الخطاب وإن كان صالحا في مراحل سابقة إلا أنه الآن أساء للحزب وأساء للإسلام. ولا يجوز خلط السياسة وإكراهاتها المرة وخياراتها القاسية بالمقدس المملوك لعموم المغاربة.”
وطالب شبيبة الحزب أن تنسلخ بهدوء من عباءة الشيوخ وتبنى لنفسها حزبا يقوم على مبدأ خدمة الشعب والدولة وتكريس الديموقراطية، وترك المعارك الخطابية جانبا والعمل على تجهيز المشاريع والأفكار للنهضةـ، وهذا أمر لن يتحقق في أشهر ولا في سنوات… لكن كلفة إبقاء الوضع كما هو عليه يعني مشهدا حزبيا هلاميا سيترك الساحة للفاعلين غير الديموقراطيين ليتبوردو ويضعوا على المحك كل ما تم تحقيقه، على هزالته”.
تعليقات الزوار ( 0 )